Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة الأنعام - الآية 84

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) (الأنعام) mp3
يَذْكُر تَعَالَى أَنَّهُ وَهَبَ لِإِبْرَاهِيم إِسْحَاق بَعْد أَنْ طَعَنَ فِي السِّنّ وَأَيِسَ هُوَ وَامْرَأَته سَارَّة مِنْ الْوَلَد فَجَاءَتْهُ الْمَلَائِكَة وَهُمْ ذَاهِبُونَ إِلَى قَوْم لُوط فَبَشَّرُوهُمَا بِإِسْحَاق فَتَعَجَّبَتْ الْمَرْأَة مِنْ ذَلِكَ وَقَالَتْ " يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوز وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْء عَجِيب قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْر اللَّه رَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته عَلَيْكُمْ أَهْل الْبَيْت إِنَّهُ حَمِيد مَجِيد " فَبَشَّرُوهُمَا مَعَ وُجُوده بِنُبُوَّتِهِ وَبِأَنَّ لَهُ نَسْلًا وَعَقِبًا كَمَا قَالَ تَعَالَى" وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاق نَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ " وَهَذَا أَكْمَل فِي الْبِشَارَة وَأَعْظَم فِي النِّعْمَة . وَقَالَ " فَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاق وَمِنْ وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب " أَيْ وَيُولَد لِهَذَا الْمَوْلُود وَلَد فِي حَيَاتكُمَا فَتُقِرّ أَعْيُنكُمَا بِهِ كَمَا قَرَّتْ بِوَالِدِهِ فَإِنَّ الْفَرَح بِوَلَدِ الْوَلَد شَدِيد لِبَقَاءِ النَّسْل وَالْعَقِب وَلَمَّا كَانَ وَلَد الشَّيْخ وَالشَّيْخَة قَدْ يُتَوَهَّم أَنَّهُ لَا يُعَقَّب لِضَعْفِهِ وَقَعَتْ الْبِشَارَة بِهِ وَبِوَلَدِهِ بِاسْمِ يَعْقُوب الَّذِي فِيهِ اِشْتِقَاق الْعَقِب وَالذُّرِّيَّة وَكَانَ هَذَا مُجَازَاة لِإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام حِين اِعْتَزَلَ قَوْمه وَتَرَكَهُمْ وَنَزَحَ عَنْهُمْ وَهَاجَرَ مِنْ بِلَادهمْ ذَاهِبًا إِلَى عِبَادَة اللَّه فِي الْأَرْض فَعَوَّضَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ قَوْمه وَعَشِيرَته بِأَوْلَادٍ صَالِحِينَ مِنْ صُلْبه عَلَى دِينه لِتَقَرّ بِهِمْ عَيْنه كَمَا قَالَ تَعَالَى " فَلَمَّا اِعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا " وَقَالَ هَهُنَا " وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب كُلًّا هَدَيْنَا " وَقَوْله " وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْل" أَيْ مِنْ قَبْله هَدَيْنَاهُ كَمَا هَدَيْنَاهُ وَوَهَبْنَا لَهُ ذُرِّيَّة صَالِحَة وَكُلّ مِنْهُمَا لَهُ خُصُوصِيَّة عَظِيمَة أَمَّا نُوح عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا أَغْرَقَ أَهْل الْأَرْض إِلَّا مَنْ آمَنَ بِهِ وَهُمْ الَّذِينَ صَحِبُوهُ فِي السَّفِينَة جَعَلَ اللَّه ذُرِّيَّته هُمْ الْبَاقِينَ فَالنَّاس كُلّهمْ مِنْ ذُرِّيَّته وَأَمَّا الْخَلِيل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمْ يَبْعَث اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَعْده نَبِيًّا إِلَّا مِنْ ذُرِّيَّته كَمَا قَالَ تَعَالَى" وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتهمَا النُّبُوَّة وَالْكِتَاب " الْآيَة. وَقَالَ تَعَالَى " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيم وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتهمَا النُّبُوَّة وَالْكِتَاب " وَقَالَ تَعَالَى " أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّة آدَم وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح وَمِنْ ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم وَإِسْرَائِيل وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَات الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا " وَقَوْله فِي هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة " وَمِنْ ذُرِّيَّته " أَيْ وَهَدْينَا مِنْ ذُرِّيَّته" دَاوُد وَسُلَيْمَان " الْآيَة وَعَوْد الضَّمِير إِلَى نُوح لِأَنَّهُ أَقْرَب الْمَذْكُورِينَ ظَاهِر لَا إِشْكَال فِيهِ وَهُوَ اِخْتِيَار اِبْن جَرِير . وَعَوْده إِلَى إِبْرَاهِيم لِأَنَّهُ الَّذِي سِيقَ الْكَلَام مِنْ أَجْله حَسَن لَكِنْ يُشْكِل عَلَيْهِ لُوط فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم بَلْ هُوَ اِبْن أَخِيهِ هَارَان بْن آزَرَ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَال إِنَّهُ دَخَلَ فِي الذُّرِّيَّة تَغْلِيبًا كَمَا فِي قَوْله " أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوب الْمَوْت إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا : نَعْبُد إِلَهك وَإِلَه آبَائِك إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ " فَإِسْمَاعِيل عَمّه دَخَلَ فِي آبَائِهِ تَغْلِيبًا وَكَمَا قَالَ فِي قَوْله " فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلّهمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيس " فَدَخَلَ إِبْلِيس فِي أَمْر الْمَلَائِكَة بِالسُّجُودِ وَذَمّ عَلَى الْمُخَالَفَة لِأَنَّهُ كَانَ فِي تَشَبُّه بِهِمْ فَعُومِلَ مُعَامَلَتهمْ وَدَخَلَ مَعَهُمْ تَغْلِيبًا وَإِلَّا فَهُوَ كَانَ مِنْ الْجِنّ وَطَبِيعَته مِنْ النَّار وَالْمَلَائِكَة مِنْ النُّور وَفِي ذِكْر عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم أَوْ نُوح عَلَى الْقَوْل الْآخَر دَلَالَة عَلَى دُخُول وَلَد الْبَنَات فِي ذُرِّيَّة الرَّجُل لِأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا يُنْسَب إِلَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بِأُمِّهِ مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام فَإِنَّهُ لَا أَب لَهُ . قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا سَهْل بْن يَحْيَى الْعَسْكَرِيّ حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن صَالِح حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَابِس عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَطَاء الْمَكِّيّ عَنْ أَبِي حَرْب بْن أَبِي الْأَسْوَد قَالَ أَرْسَلَ الْحَجَّاج إِلَى يَحْيَى بْن يَعْمُر فَقَالَ بَلَغَنِي أَنَّك تَزْعُم أَنَّ الْحَسَن وَالْحُسَيْن مِنْ ذُرِّيَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ تَجِدهُ فِي كِتَاب اللَّه - وَقَدْ قَرَأْته مِنْ أَوَّله إِلَى آخِره فَلَمْ أَجِدهُ ؟ قَالَ أَلَيْسَ تَقْرَأ سُورَة الْأَنْعَام" وَمِنْ ذُرِّيَّته دَاوُد وَسُلَيْمَان " حَتَّى بَلَغَ " وَيَحْيَى وَعِيسَى " قَالَ بَلَى . قَالَ أَلَيْسَ عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم وَلَيْسَ لَهُ أَب ؟ قَالَ صَدَقْت . فَلِهَذَا إِذَا أَوْصَى الرَّجُل لِذُرِّيَّتِهِ أَوْ وَقَفَ عَلَى ذُرِّيَّته أَوْ وَهَبَهُمْ دَخَلَ أَوْلَاد الْبَنَات فِيهِمْ فَأَمَّا إِذَا أَعْطَى الرَّجُل بَنِيهِ أَوْ وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يَخْتَصّ بِذَلِكَ بَنُوهُ لِصُلْبِهِ وَبَنُو بَنِيهِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ الشَّاعِر الْعَرَبِيّ : بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتنَا بَنُوهُنَّ أَبْنَاء الرِّجَال الْأَجَانِب . وَقَالَ آخَرُونَ : وَيَدْخُل بَنُو الْبَنَات فِيهِ أَيْضًا لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ قَالَ لِلْحَسَنِ بْن عَلِيّ إِنَّ اِبْنِي هَذَا سَيِّد وَلَعَلَّ اللَّه أَنْ يُصْلِح بِهِ بَيْن فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَسَمَّاهُ اِبْنًا فَدَلَّ عَلَى دُخُوله فِي الْأَبْنَاء. وَقَالَ آخَرُونَ : هَذَا تَجَوُّز .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • سهم إبليس وقوسه

    سهم إبليس وقوسه: قال المصنف - حفظه الله -: «فإن من نعم الله التي لا تعد ولا تحصى نعمة البصر، وهي وإن كانت نعمة في ذاتها فإنها ربما أوردت صاحبها المهالك إذا أطلقها في غير ما أحل الله. ولتوسع الناس في أمر النظر المحرم وكثرته، أقدم للأحبة القراء الجزء الثالث عشر من سلسلة: «أين نحن من هؤلاء؟» تحت عنوان «سهم إبليس وقوسه» فيه أطايب الكلام من قول الله - جل وعلا - وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - وذكر حال السلف في مجاهدة أنفسهم وحفظ أبصارهم».

    الناشر: دار القاسم - موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/229610

    التحميل:

  • تشجير أهم الكتب الفقهية المطبوعة على المذاهب الأربعة

    بحث مفيد يحتوي على تشجير لأبراز المتون الفقهية للمذاهب الأربعة، مع بيان شروحها.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/353501

    التحميل:

  • قصة فتاة

    قصة فتاة: فهذه جلسة مع الصالحات .. القانتات التقيات .. اللاتي سمع الليل بكاءهن في الأسحار .. ورأى النهار صومهن والأذكار .. هذه كلمات عابرات .. أبعثها مع كل نبضة أمل .. في عصر تكاثرت فيه الفتن. إلى الفتاة المسلمة .. الراكعة الساجدة .. أبعثها إلى جوهرة المجتمع .. وأمل الأمة .. إنها جلسة مع المؤمنات .. اللاتي لم تهتك إحداهن عرضها .. ولم تدنس شرفها، وإنما صلت خمسها .. وأدامت سترها .. لتدخل جنة ربها. إنها قصة فتاة بل فتيات .. قانتات صالحات .. ليست قصة عشق فاتنة .. ولا رواية ماجنة.

    الناشر: موقع الشيخ العريفي www.arefe.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/336231

    التحميل:

  • المفيد على كتاب التوحيد

    المفيد على كتاب التوحيد : قال الشارح - أثابه الله - « ألَّف الشيخ - رحمه الله - هذا الكتاب - كتاب التوحيد -؛ لبيان حقيقة التوحيد وشُعَبه وفضائله، وحقوقه ومكملاته، وما يحصل به تحقيقه، ووجوب الدعوة إليه، والتنبيه على حقيقة الشرك وأنواعه كالأكبر والأصغر، والجلي والخفي، وبيان شُعَبـِه وخصاله وخطره، ووجوب الحذر منه كله، قليله وكثيره، دقيقه وجليله وذرائعه، والتنبيه على ذرائعه من البدع وأمور الجاهلية وكبائر الذنوب وغير ذلك من المحرمات التي تنافي التوحيد بالكلية، أو تنقص كماله الواجب، أو تقدح فيه وتضعفه. لذا فهذا الكتاب كتاب عظيم النفع، جليل القدر، غزير العلم، مبارك الأثر، لا يُعلم أنه سبق أن صُنِّف مثله في معناه رغم صغر حجمه؛ لكثرة فوائده وحسن تأثيره على متعلِّميه، فينبغي حفظه وفهمه، والعناية بدراسته، وتأمّل ما فيه من الآيات المحكمات، والأحاديث الصحيحات، والآثار المروية عن السلف الصالح؛ لما فيها من العلم النافع والترغيب في العمل الصالح والهدى المستقيم، والدلالة على توحيد الله تعالى والإخلاص لـه، والتنبيه على بطلان الشرك والبدع وسائر ما حرّم الله تعالى من أنواع ذلك وفروعه ووسائله وما يُوصل إليه ».

    الناشر: شبكة الألوكة http://www.alukah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/292933

    التحميل:

  • شرح كتاب الطهارة من بلوغ المرام

    شرح كتاب الطهارة من بلوغ المرام: شرحٌ مُيسَّرٌ لباب الآنية من كتاب الطهارة من الكتاب النافع: «بلوغ المرام».

    الناشر: شبكة الألوكة http://www.alukah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/314983

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة