Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة غافر - الآية 51

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) (غافر) mp3
قَدْ أَوْرَدَ أَبُو جَعْفَر اِبْن جَرِير رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى عِنْد قَوْله تَعَالَى " إِنَّا لَنَنْصُر رُسُلنَا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا " سُؤَالًا فَقَالَ قَدْ عُلِمَ أَنَّ بَعْض الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَتَلَهُ قَوْمه بِالْكُلِّيَّةِ كَيَحْيَى وَزَكَرِيَّا وشعيا وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْن أَظْهُرِهِمْ إِمَّا مُهَاجِرًا كَإِبْرَاهِيمَ وَإِمَّا إِلَى السَّمَاء كَعِيسَى فَأَيْنَ النُّصْرَة فِي الدُّنْيَا ؟ ثُمَّ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِجَوَابَيْنِ " أَحَدهمَا " أَنْ يَكُون الْخَبَر خَرَجَ عَامًّا وَالْمُرَاد بِهِ الْبَعْض قَالَ وَهَذَا سَائِغ فِي اللُّغَة " الثَّانِي " أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالنَّصْرِ الِانْتِصَار لَهُمْ مِمَّنْ آذَاهُمْ وَسَوَاء كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِمْ أَوْ فِي غَيْبَتِهِمْ أَوْ بَعْد مَوْتهمْ كَمَا فُعِلَ بِقَتَلَةِ يَحْيَى وَزَكَرِيَّا وشعيا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ مَنْ أَهَانَهُمْ وَسَفَكَ دِمَاءَهُمْ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ النُّمْرُوذ أَخَذَهُ اللَّه تَعَالَى أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ وَأَمَّا الَّذِينَ رَامُوا صَلْب الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ الْيَهُود فَسَلَّطَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ الرُّوم فَأَهَانُوهُمْ وَأَذَلُّوهُمْ وَأَظْهَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَبْل يَوْم الْقِيَامَة سَيَنْزِلُ عِيسَى بْن مَرْيَم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِمَامًا عَادِلًا وَحَمَكًا مُقْسِطًا فَيَقْتُل الْمَسِيح الدَّجَّال وَجُنُوده مِنْ الْيَهُود وَيَقْتُل الْخِنْزِير وَيَكْسِر الصَّلِيب وَيَضَع الْجِزْيَة فَلَا يَقْبَل إِلَّا الْإِسْلَام وَهَذِهِ نُصْرَة عَظِيمَة وَهَذِهِ سُنَّة اللَّه تَعَالَى فِي خَلْقه فِي قَدِيم الدَّهْر وَحَدِيثه أَنَّهُ يَنْصُر عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَيُقِرّ أَعْيُنهمْ مِمَّنْ آذَاهُمْ . فَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْحَرْبِ " . وَفِي الْحَدِيث الْآخَر " إِنِّي لَأَثْأَرُ لِأَوْلِيَائِي كَمَا يَثْأَر اللَّيْث الْحَرْب " وَلِهَذَا أَهْلَكَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَوْمَ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقَوْمَ لُوطٍ وَأَهْلَ مَدْيَنَ وَأَشْبَاهَهُمْ وَأَضْرَابَهُمْ مِمَّنْ كَذَّبَ الرُّسُل وَخَالَفَ الْحَقّ وَأَنْجَى اللَّه تَعَالَى مِنْ بَيْنهمْ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ يُهْلِك مِنْهُمْ أَحَدًا وَعَذَّبَ الْكَافِرِينَ فَلَمْ يُفْلِت مِنْهُمْ أَحَدًا قَالَ السُّدِّيّ لَمْ يَبْعَث اللَّه عَزَّ وَجَلَّ رَسُولًا قَطُّ إِلَى قَوْم فَيَقْتُلُونَهُ أَوْ قَوْمًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَدْعُونَ إِلَى الْحَقّ فَيُقْتَلُونَ فَيَذْهَب ذَلِكَ الْقَرْن حَتَّى يَبْعَث اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُمْ مَنْ يَنْصُرهُمْ فَيَطْلُب بِدِمَائِهِمْ مِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا قَالَ فَكَانَتْ الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤْمِنُونَ يُقْتَلُونَ فِي الدُّنْيَا وَهُمْ مَنْصُورُونَ فِيهَا وَهَكَذَا نَصَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه عَلَى مَنْ خَالَفَهُ وَنَاوَأَهُ وَكَذَّبَهُ وَعَادَاهُ فَجَعَلَ كَلِمَته هِيَ الْعُلْيَا وَدِينه هُوَ الظَّاهِر عَلَى سَائِر الْأَدْيَان وَأَمَرَهُ بِالْهِجْرَةِ مِنْ بَيْن ظَهْرَانَيْ قَوْمه إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَجَعَلَ لَهُ فِيهَا أَنْصَارًا وَأَعْوَانًا ثُمَّ مَنَحَهُ أَكْتَاف الْمُشْرِكِينَ يَوْم بَدْر فَنَصَرَهُ عَلَيْهِمْ وَخَذَلَهُمْ وَقَتَلَ صَنَادِيدَهمْ وَأَسَرَ سَرَاتَهُمْ فَاسْتَاقَهُمْ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَاد ثُمَّ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِأَخْذِهِ الْفِدَاء مِنْهُمْ ثُمَّ بَعْد مُدَّة قَرِيبَة فَتَحَ عَلَيْهِ مَكَّة فَقَرَّتْ عَيْنه بِبَلَدِهِ وَهُوَ الْبَلَد الْمُحَرَّم الْحَرَام الْمُشَرَّف الْمُعَظَّم فَأَنْقَذَهُ اللَّه تَعَالَى بِهِ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ الْكُفْر وَالشِّرْك وَفَتَحَ لَهُ الْيَمَن وَدَانَتْ لَهُ جَزِيرَة الْعَرَب بِكَمَالِهَا وَدَخَلَ النَّاس فِي دِين اللَّه أَفْوَاجًا ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ لِمَا لَهُ عِنْده مِنْ الْكَرَامَة الْعَظِيمَة فَأَقَامَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَصْحَابه خُلَفَاء بَعْده فَبَلَّغُوا عَنْهُ دِين اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَدَعَوْا عِبَادَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى اللَّه جَلَّ وَعَلَا وَفَتَحُوا الْبِلَاد وَالرَّسَاتِيق وَالْأَقَالِيم وَالْمَدَائِن وَالْقُرَى وَالْقُلُوب حَتَّى اِنْتَشَرَتْ الدَّعْوَة الْمُحَمَّدِيَّة فِي مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا ثُمَّ لَا يَزَال هَذَا الدِّين قَائِمًا مَنْصُورًا ظَاهِرًا إِلَى قِيَام السَّاعَة وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " إِنَّا لَنَنْصُر رُسُلَنَا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيَوْم يَقُوم الْأَشْهَاد " أَيْ يَوْم الْقِيَامَة تَكُون النُّصْرَة أَعْظَم وَأَكْبَر وَأَجَلَّ قَالَ مُجَاهِد : الْأَشْهَاد الْمَلَائِكَة .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • أبو هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دراسة حديثية تاريخية هادفة

    أبو هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دراسة حديثية تاريخية هادفة: هو رجل تشرف بصحبة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه فآزره ونصره وساهم مع إخوانه الصحابة في بناء حضارة هذه الأمة ومجدها وتاريخها الذي تفخر به وتباهي الأمم

    الناشر: مركز البحوث في مبرة الآل والأصحاب http://www.almabarrah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/58134

    التحميل:

  • الأخلاق والسير في مداواة النفوس

    الأخلاق والسير في مداواة النفوس : بيان بعض المعاني مثل: العلم، المحبة وأونواعها، مداواة النفوس، العقل والراحة ... إلخ

    الناشر: موقع أم الكتاب http://www.omelketab.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/141366

    التحميل:

  • الرسالة التدمرية

    الرسالة التدمرية : تحقيق الإثبات للأسماء والصفات وحقيقة الجمع بين القدر والشرع، لشيخ الإسلام ابن تيمية المتوفي سنة (827هـ) - رحمه الله تعالى -، - سبب كتابتها ما ذكره شيخ الإسلام في مقدمتها بقوله: " أما بعد: فقد سألني من تعينت إجابتهم أن أكتب لهم مضمون ما سمعوه مني في بعض المجالس من الكلام في التوحيد والصفات وفي الشرع والقدر. - جعل كلامه في هذه الرسالة مبنياً على أصلين: الأصل الأول: توحيد الصفات، قدم له مقدمة ثم ذكر أصلين شريفين ومثلين مضروبين وخاتمة جامعة اشتملت على سبع قواعد يتبين بها ما قرره في مقدمة هذا الأصل. الأصل الثاني: توحيد العبادة المتضمن للإيمان بالشرع والقدر جميعاً. - والذين سألوا الشيخ أن يكتب لهم مضمون ما سمعوا منه من أهل تدمر - فيما يظهر - وتدمر بلدة من بلدان الشام من أعمال حمص، وهذا وجه نسبة الرسالة إليها.

    الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/272963

    التحميل:

  • المنار المنيف في الصحيح والضعيف

    المنار المنيف في الصحيح والضعيف : لخص به الموضوعات لابن الجوزي - رحمه الله - تلخيصاً حسناً، وقعَّد لها قواعد وضوابط، فجاء الكتاب على صغره ولطافة حجمه جامعاً مفيداً متميِّزاً، كسائر كتب ابن القيم - رحمه الله -. وهذا الكتاب من خير ما ألف في الموضوعات ومن أجمعها علماً، وأصغرها حجماً وأحكمها ضوابط لمعرفة الحديث دون أن يُنْظَر في سنده. والكتاب يعرض جملة من الأحاديث الموضوعة، ويضيف إليها ضوابط وقواعد يعرف بها الحديث الموضوع من الحديث الصحيح، وهذا يفيد ذوي الاختصاص في الحديث، ويأخذ بيد المبتدئ لتكوين الملكة التي تساعده على التمييز بين أنواع الحديث صحيحه وضعيفه وموضوعه.

    المدقق/المراجع: يحيى بن عبد الله الثمالي

    الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/265616

    التحميل:

  • حقيقة الانتصار

    حقيقة الانتصار: قال الشيخ في المقدمة: «فقد تأملت في واقع الدعوة اليوم، وما مرت به في خلال هذا العصر من محن وابتلاءات، ورأيت أن الأمة تعيش يقظة مباركة، وصحوة ناهضة، والدعاة يجوبون الآفاق، والجماعات الإسلامية انتشرت في البلدان، حتى وصلت إلى أوربا وأمريكا، وقامت حركات جهادية في بعض بلاد المسلمين كأفغانستان وفلسطين وأريتريا والفلبين وغيرها. ولكن لحظت أن هناك مفاهيم غائبة عن فهم كثير من المسلمين، مع أن القرآن الكريم قد بينها، بل وفصلها، ورأيت أن كثيرا من أسباب الخلل في واقع الدعوة والدعاة، يعود لغياب هذه الحقائق. ومن هذه المفاهيم مفهوم "حقيقة الانتصار"، حيث إن خفاءه أوقع في خلل كبير، ومن ذلك: الاستعجال، والتنازل، واليأس والقنوط ثم العزلة، وهذه أمور لها آثارها السلبية على المنهج وعلى الأمة. من أجل ذلك كله عزمتُ على بيان هذه الحقيقة الغائبة، ودراستها في ضوء القرآن الكريم».

    الناشر: موقع المسلم http://www.almoslim.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/337579

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة