Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة النساء - الآية 47

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47) (النساء) mp3
يَقُول تَعَالَى آمِرًا أَهْل الْكِتَاب بِالْإِيمَانِ بِمَا نَزَلَ عَلَى رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْكِتَاب الْعَظِيم الَّذِي فِيهِ تَصْدِيق الْأَخْبَار الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْبِشَارَات وَمُتَهَدِّدًا لَهُمْ إِنْ لَمْ يَفْعَلُوا بِقَوْلِهِ " مِنْ قَبْل أَنْ نَطْمِس وُجُوهًا فَنَرُدّهَا عَلَى أَدْبَارهَا " قَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ مِنْ قَبْل أَنْ نَطْمِس وُجُوهًا فَطَمْسهَا هُوَ رَدّهَا إِلَى الْأَدْبَار وَجَعْل أَبْصَارهمْ مِنْ وَرَائِهِمْ وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمُرَاد مِنْ قَبْل أَنْ نَطْمِس وُجُوهًا فَلَا نُبْقِي لَهَا سَمْعًا وَلَا بَصَرًا وَلَا أَنْفًا وَمَعَ ذَلِكَ نَرُدّهَا إِلَى نَاحِيَة الْأَدْبَار . وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي الْآيَة وَهِيَ مِنْ قَبْل أَنْ نَطْمِس وُجُوهًا وَطَمْسهَا أَنْ تَعْمَى فَنَرُدّهَا عَلَى أَدْبَارهَا يَقُول نَجْعَل وُجُوههمْ مِنْ قِبَل أَقْفِيَتهمْ فَيَمْشُونَ الْقَهْقَرَى وَنَجْعَل لِأَحَدِهِمْ عَيْنَيْنِ مِنْ قَفَاهُ وَكَذَا قَالَ قَتَادَة وَعَطِيَّة الْعَوْفِيّ وَهَذَا أَبْلَغ فِي الْعُقُوبَة وَالنَّكَال وَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لَهُمْ فِي صَرْفهمْ عَنْ الْحَقّ وَرَدّهمْ إِلَى الْبَاطِل وَرُجُوعهمْ عَنْ الْمَحَجَّة الْبَيْضَاء إِلَى سَبِيل الضَّلَالَة يُهْرَعُونَ وَيَمْشُونَ الْقَهْقَرَى عَلَى أَدْبَارهمْ وَهَذَا كَمَا قَالَ بَعْضهمْ فِي قَوْله " إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقهمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَان فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ سَدًّا " الْآيَة أَيْ هَذَا مَثَل سُوء ضَرَبَهُ اللَّه لَهُمْ فِي ضَلَالهمْ وَمَنَعَهُمْ عَنْ الْهُدَى . قَالَ مُجَاهِد : مِنْ قَبْل أَنْ نَطْمِس وُجُوهًا يَقُول عَنْ صِرَاط الْحَقّ فَنَرُدّهَا عَلَى أَدْبَارهَا أَيْ فِي الضَّلَال قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن نَحْو هَذَا قَالَ السُّدِّيّ : فَنَرُدّهَا عَلَى أَدْبَارهَا فَنَمْنَعهَا عَنْ الْحَقّ قَالَ نُرْجِعهَا كُفَّارًا وَنَرُدّهُمْ قِرَدَة قَالَ أَبُو زَيْد فَرَدَّهُمْ إِلَى بِلَاد الشَّام مِنْ أَرْض الْحِجَاز . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ كَعْب الْأَحْبَار أَسْلَمَ حِين سَمِعَ هَذِهِ الْآيَة . قَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب حَدَّثَنَا جَابِر بْن نُوح عَنْ عِيسَى بْن الْمُغِيرَة قَالَ : تَذَاكَرْنَا عِنْد إِبْرَاهِيم إِسْلَام كَعْب فَقَالَ أَسْلَمَ كَعْب زَمَان عُمَر أَقْبَلَ وَهُوَ يُرِيد بَيْت الْمَقْدِس فَمَرَّ عَلَى الْمَدِينَة فَخَرَجَ إِلَيْهِ عُمَر فَقَالَ يَا أَبَا كَعْب أَسْلِمْ فَقَالَ : أَلَسْتُمْ تَقُولُونَ فِي كِتَابكُمْ " مَثَل الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاة إِلَى أَسْفَارًا " وَأَنَا قَدْ حَمَلْت التَّوْرَاة . قَالَ فَتَرَكَهُ عُمَر ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى حِمْص فَسَمِعَ رَجُلًا مِنْ أَهْلهَا حَزِينًا وَهُوَ يَقُول " يَا أَيّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْل أَنْ نَطْمِس وُجُوهًا فَنَرُدّهَا عَلَى أَدْبَارهَا " الْآيَة قَالَ كَعْب يَا رَبّ أَسْلَمْت مَخَافَة أَنْ تُصِيبهُ هَذِهِ الْآيَة ثُمَّ رَجَعَ فَأَتَى أَهْله فِي الْيَمَن ثُمَّ جَاءَ بِهِمْ مُسْلِمِينَ وَكَذَا رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم بِلَفْظٍ آخَر مِنْ وَجْه آخَر فَقَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا اِبْن نُفَيْل حَدَّثَنَا عَمْرو بْن وَاقِد عَنْ يُونُس بْن حُلَيْس عَنْ أَبِي إِدْرِيس عَائِذ اللَّه الْخَوْلَانِيّ قَالَ : كَانَ أَبُو مُسْلِم الْجَلِيلِيّ مَعَهُمْ كَعْب وَكَانَ يَلُومهُ فِي إِبْطَائِهِ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَبَعَثَهُ إِلَيْهِ يَنْظُر أَهُوَ هُوَ قَالَ كَعْب : فَرَكِبْت حَتَّى أَتَيْت الْمَدِينَة فَإِذَا تَالٍ يَقْرَأ الْقُرْآن يَقُول " يَا أَيّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْل أَنْ نَطْمِس وُجُوهًا فَنَرُدّهَا عَلَى أَدْبَارهَا " فَبَادَرْت الْمَاء فَاغْتَسَلْت وَإِنِّي لَأَمَسّ وَجْهِي مَخَافَة أَنْ أَطْمِس ثُمَّ أَسْلَمْت وَقَوْله " أَوْ نَلْعَنهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَاب السَّبْت " يَعْنِي الَّذِينَ اِعْتَدَوْا فِي سَبْتهمْ بِالْحِيلَةِ عَلَى الِاصْطِيَاد وَقَدْ مُسِخُوا قِرَدَة وَخَنَازِير وَسَيَأْتِي بَسْط قِصَّتهمْ فِي سُورَة الْأَعْرَاف وَقَوْله " وَكَانَ أَمْر اللَّه مَفْعُولًا " أَيْ إِذَا أَمَرَ بِأَمْرٍ فَإِنَّهُ لَا يُخَالَف وَلَا يُمَانَع . ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَك بِهِ أَيْ لَا يَغْفِر لِعَبْدٍ لَقِيَهُ وَهُوَ مُشْرِك بِهِ وَيَغْفِر مَا دُون ذَلِكَ أَيْ مِنْ الذُّنُوب لِمَنْ يَشَاء أَيْ مِنْ عِبَاده وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيث مُتَعَلِّقَة بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة فَلْنَذْكُرْ مِنْهَا مَا تَيَسَّرَ . " الْحَدِيث الْأَوَّل " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن هَارُون حَدَّثَنَا صَدَقَة بْن مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَان الْجَوْنِيّ عَنْ يَزِيد بْن أَبِي مُوسَى عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الدَّوَاوِين عِنْد اللَّه ثَلَاثَة دِيوَان لَا يَعْبَأ اللَّه بِهِ شَيْئًا وَدِيوَان لَا يَتْرُك اللَّه مِنْهُ شَيْئًا وَدِيوَان لَا يَغْفِرهُ اللَّه .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • إرشادات وفتاوى وفوائد ومسائل يحتاج إليها الصائم

    إرشادات وفتاوى وفوائد ومسائل يحتاج إليها الصائم : قال المؤلف - رحمه الله -: « فقد طلب مني من تعينت إجابته إعداد رسالة تتضمن أحكام صيام المجاهدين والمرابطين وغيرهم من المسلمين الصائمين فاستعنت بالله وأجبته إلى ذلك. وأعددت هذه الرسالة المتضمنة إرشادات للصائم في أحكام الصيام وصلاة التراويح. وما يخص العشر الأواخر من التهجد والاعتكاف وليلة القدر، وأحكام زكاة الفطر. كما تضمنت جملة فتاوى من فتاوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصوم. كما اشتملت هذه الرسالة على حكم صيام المجاهدين والمسافرين للجهاد وغيره ».

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/231260

    التحميل:

  • أعمال ثوابها كقيام الليل

    إن من رحمة الله - عز وجل - بعباده، أنه وهبهم أعمالا يسيرة يعدل ثوابها قيام الليل، فمن فاته قيام الليل أو عجز عنه فلا يُفوت عليه هذه الأعمال لتثقيل ميزانه، وهذه ليست دعوة للتقاعس عن قيام الليل، إذ لم يفهم سلفنا الصالح - رحمهم الله تعالى - ذلك، بل كانوا ينشطون في كل ميادين الخير.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/291300

    التحميل:

  • نبذة نفيسة عن حقيقة دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

    نبذة نفيسة عن حقيقة دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: بناءً على النصيحة للمسلمين، وحباً في شريعة سيد المرسلين وصيانة لتوحيد رب العالمين، ودفاعاً عن شيخ الإسلام أخرجت هذه الرسالة رجاء أن تكون أداة إنقاذ من ظلمات الجهالة، وأن تنور بصائر وأبصار القارئين ليعرفوا حقيقة دعوة الإمام، ولا تروج عليهم دعاية أهل الضلال.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2086

    التحميل:

  • منهاج المسلم

    منهاج المسلم : كتاب عقائد وآداب وأخلاق وعبادات ومعاملات. قال عنه مصنفه - حفظه الله -: « وها هو الكتاب يقدم إلى الصالحين من إخوة الإسلام في كل مكان، يقدم كتاباً ولو لم أكن مؤلفه وجامعه لوصفته بما عساه أن يزيد في قيمته، ويكثر من الرغبة فيه، والإقبال عليه، ولكن حسبي من ذلك ما أعتقد فيه: أنه كتاب المسلم الذي لا ينبغي أن يخلو منه بيت مسلم ».

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2427

    التحميل:

  • المناظرات الفقهية

    المناظرات الفقهية : هذا الكتاب من إبداعات الشيخ - رحمه الله - حيث استعمل وسائل شتى لتقريب العلم لطلابه ومن يقرأ كتبه، ضمن كتابه مجموعة في المسائل الخلافية وعرضها على شكل مناظرة بين اثنين يدور الحوار بينها ويتم الاستدلال والمناقشة حتى ينتهي إلى أرجح القولين لقوة دليله ومأخذه، وقد تضمن الكتاب معان تربوية جليلة منها تعويد النفس الانقياد للحق ولو خالف مذهبا أو نحوه، ومنها بيان أن الاختلاف في الرأي لا يوجب القدح والعيب إلى غير ذلك.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/205546

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة