Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة البقرة - الآية 4

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) (البقرة) mp3
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَاَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك أَيْ يُصَدِّقُونَ بِمَا جِئْت بِهِ مِنْ اللَّه وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ قَبْلك مِنْ الْمُرْسَلِينَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنهمْ وَلَا يَجْحَدُونَ مَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ رَبّهمْ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أَيْ بِالْبَعْثِ وَالْقِيَامَة وَالْجَنَّة وَالنَّار وَالْحِسَاب وَالْمِيزَان وَإِنَّمَا سَمَّيْت الْآخِرَة لِأَنَّهَا بَعْد الدُّنْيَا وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمَوْصُوفِينَ هُنَا هَلْ هُمْ الْمَوْصُوفُونَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْله تَعَالَى " الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ " وَمَنْ هُمْ ؟ عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال حَكَاهَا اِبْن جَرِير أَحَدهَا أَنَّ الْمَوْصُوفِينَ أَوَّلًا هُمْ الْمَوْصُوفُونَ ثَانِيًا وَهُمْ كُلّ مُؤْمِن مُؤْمِنُو الْعَرَب وَمُؤْمِنُو أَهْل الْكِتَاب وَغَيْرهمْ قَالَهُ مُجَاهِد وَأَبُو الْعَالِيَة وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَقَتَادَة وَالثَّانِي هُمَا وَاحِد وَهُمْ مُؤْمِنُو أَهْل الْكِتَاب وَعَلَى هَذَيْنِ تَكُون الْوَاو عَاطِفَة صِفَات عَلَى صِفَات كَمَا قَالَ تَعَالَى " سَبِّحْ اِسْم رَبّك الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَاَلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى وَاَلَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحَوَى " وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : إِلَى الْمَلِك الْقَرْم وَابْن الْهُمَام وَلَيْث الْكَتِيبَة فِي الْمُزْدَحَم فَعَطَفَ الصِّفَات بَعْضهَا عَلَى بَعْض وَالْمَوْصُوف وَاحِد وَالثَّالِث أَنَّ الْمَوْصُوفِينَ أَوَّلًا مُؤْمِنُو الْعَرَب وَالْمَوْصُوفُونَ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ " وَاَلَّذِي يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ" لِمُؤْمِنِي أَهْل الْكِتَاب نَقَلَهُ السُّدِّيّ فِي تَفْسِيره عَنْ اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَأُنَاس مِنْ الصَّحَابَة وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير رَحِمَهُ اللَّه وَيُسْتَشْهَد لِمَا قَالَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَإِنَّ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ" الْآيَة وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى " الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب مِنْ قَبْله هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْله مُسْلِمِينَ أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرهمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ" وَبِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث الشَّعْبِيّ عَنْ أَبِي بُرْدَة عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ثَلَاثَة يُؤْتَوْنَ أَجْرهمْ مَرَّتَيْنِ رَجُل مِنْ أَهْل الْكِتَاب آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِي وَرَجُل مَمْلُوك أَدَّى حَقّ اللَّه وَحَقّ مَوَالِيه وَرَجُل أَدَّبَ جَارِيَته فَأَحْسَن تَأْدِيبهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا " وَأَمَّا اِبْن جَرِير فَمَا اُسْتُشْهِدَ عَلَى صِحَّة مَا قَالَ إِلَّا بِمُنَاسَبَةٍ وَهِيَ أَنَّ اللَّه وَصَفَ فِي أَوَّل هَذِهِ السُّورَة الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فَكَمَا أَنَّهُ صَنَّفَ الْكَافِرِينَ إِلَى صِنْفَيْنِ كَافِر وَمُنَافِق فَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ صِنْفهمْ إِلَى صِنْفَيْنِ عَرَبِيّ وَكِتَابِيّ " قُلْت" وَالظَّاهِر قَوْل مُجَاهِد فِيمَا رَوَاهُ الثَّوْرِيّ عَنْ رَجُل عَنْ مُجَاهِد وَرَوَاهُ غَيْر وَاحِد عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَالَ : أَرْبَع آيَات مِنْ أَوَّل سُورَة الْبَقَرَة فِي نَعْت الْمُؤْمِنِينَ وَآيَتَانِ فِي نَعْت الْكَافِرِينَ وَثَلَاثَة عَشَر فِي الْمُنَافِقِينَ فَهَذِهِ الْآيَات الْأَرْبَع عَامَّات فِي كُلّ مُؤْمِن اِتَّصَفَ بِهَا مِنْ عَرَبِيّ وَعَجَمِيّ وَكِتَابِيّ مِنْ إِنْسِيّ وَجِنِّيّ وَلَيْسَ تَصِحّ وَاحِدَة مِنْ هَذِهِ الصِّفَات بِدُونِ الْأُخْرَى بَلْ كُلّ وَاحِدَة مُسْتَلْزِمَة لِلْأُخْرَى وَشَرْط مَعَهَا فَلَا يَصِحّ الْإِيمَان بِالْغَيْبِ وَإِقَام الصَّلَاة وَالزَّكَاة إِلَّا مَعَ الْإِيمَان بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ مَنْ قَبْله مِنْ الرُّسُل صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَالْإِيقَان بِالْآخِرَةِ كَمَا أَنَّ هَذَا لَا يَصِحّ إِلَّا بِذَاكَ وَقَدْ أَمَرَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَالْكِتَاب الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُوله وَالْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْل " الْآيَة . وَقَالَ تَعَالَى " وَلَا تُجَادِلُوا أَهْل الْكِتَاب إِلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ " الْآيَة . وَقَالَ تَعَالَى" يَا أَيّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب آمِنُوا بِمَا نَزَّلَنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ " وَقَالَ تَعَالَى " قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب لَسْتُمْ عَلَى شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ " وَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ الْمُؤْمِنِينَ كُلّهمْ بِذَلِكَ فَقَالَ تَعَالَى " آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبّه وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَته وَكُتُبه وَرُسُله لَا نُفَرِّقُ بَيْن أَحَد مِنْ رُسُله " وَقَالَ تَعَالَى " وَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرُسُله وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْن أَحَد مِنْهُمْ " إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآيَات الدَّالَّة عَلَى جَمِيع أَمْر الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرُسُله وَكُتُبه لَكِنْ لِمُؤْمِنِي أَهْل الْكِتَاب خُصُوصِيَّة وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِمَا بِأَيْدِيهِمْ مُفَصَّلًا فَإِذَا دَخَلُوا فِي الْإِسْلَام وَآمَنُوا بِهِ مُفَصَّلًا كَانَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْأَجْر مَرَّتَيْنِ وَأَمَّا غَيْرهمْ فَإِنَّمَا يَحْصُل لَهُ الْإِيمَان بِمَا تَقَدَّمَ مُجْمَلًا كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيح " إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْل الْكِتَاب فَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَكِنْ قُولُوا آمَنَّا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ " وَلَكِنْ قَدْ يَكُون إِيمَان كَثِير مِنْ الْعَرَب بِالْإِسْلَامِ الَّذِي بُعِثَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَمّ وَأَكْمَل وَأَعَمّ وَأَشْمَل مِنْ إِيمَان مَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ فِي الْإِسْلَام فَهُمْ وَإِنْ حَصَلَ لَهُمْ أَجْرَانِ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّة فَغَيْرهمْ يَحْصُل لَهُ مِنْ التَّصْدِيق مَا يُنِيف ثَوَابه عَلَى الْأَجْرَيْنِ اللَّذَيْنِ حَصَلَا لَهُمْ وَاَللَّه أَعْلَم .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • الأربعون النووية

    الأربعون النووية: متن مشهور، اشتمل على اثنين وأربعين حديثاً محذوفة الإسناد في فنون مختلفة من العلم، كل حديث منها قاعدة عظيمة من قواعد الدين، وينبغي لكل راغب في الآخرة أن يعرف هذه الأحاديث؛ لما اشتملت عليه من المهمات، واحتوت عليه من التنبيه على جميع الطاعات؛ وقد سميت بالأربعين في مباني الإسلام وقواعد الأحكام.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/5271

    التحميل:

  • رحماء بينهم [ التراحم بين آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم ]

    رحماء بينهم التراحم بين آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم: إن البحث عن أسباب الافتراق في الأمة وعلاجها مطلبٌ شرعي، و هي قضية كُبرى، ولها آثارها التي عصفت بالأمة، و سيقتصر البحث عن الرحمة بين أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من آل البيت - عليهم السلام - وسائر الناس، فمع ما جرى بينهم من حروب إلا أنهم رحماء بينهم، و هذه حقيقة وإن تجاهلها القصاصون، وسكت عنها رواة الأخبار، فستبقى تلك الحقيقة ناصعة بيضاء تردّ على أكثر أصحاب الأخبار أساطيرهم وخيالاتهم، التي استغلها أصحاب الأهواء والأطماع السياسية، والأعداءُ لتحقيق مصالحهم وتأصيل الافتراق والاختلاف في هذه الأمة .

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/74652

    التحميل:

  • لماذا تدخن؟

    لماذا تدخن؟: فإن التدخين وباءٌ خطير، وشر مستطير، وبلاء مدمر، أضرارُه جسيمةٌ، وعواقبه وخيمة، وبيعه وترويجه جريمةٌ أيما جريمة، وقد وقع في شَرَكِهِ فئام من الناس، فغدا بألبابهم، واستولى على قلوبهم، فعزَّ عليهم تركُه، وصعب في نفوسهم أن يتخلصوا من أسْره، وفي هذه الرسالة حث للمدخنين على تركه.

    الناشر: موقع دعوة الإسلام http://www.toislam.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/172575

    التحميل:

  • سبعون مسألة في الصيام

    سبعون مسألة في الصيام: فإن الله قد امتن على عباده بمواسم الخيرات، فيها تضاعف الحسنات، وتُمحى السيئات، وتُرفع الدرجات، ومن أعظم هذه المواسم شهر رمضان الذي فرضه الله على العباد، ورغبهم فيه، وأرشدهم إلى شكره على فرضه، ولما كان قدر هذه العبادة عظيمًا كان لابدّ من تعلّم الأحكام المتعلقة بشهر الصيام، وهذه الرسالة تتضمن خلاصات في أحكام الصيام وآدابه وسننه.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/1873

    التحميل:

  • تذكير البشر بخطر الشعوذة والكهانة والسحر

    تضمنت هذه الرسالة بيان كفر الساحر ووجوب قتله كما تضمنت الدلالة والإرشاد إلى العلاج المباح للسحر بالرقية والأدعية والأدوية المباحة، وتحريم علاج السحر بسحر مثله لأنه من عمل الشيطان.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/209173

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة